إسرائيل تعترف ضمنيًا بمسؤوليتها عن "عملية البيجر": تحليل وتأثيرات

my web
By -
0

 

إسرائيل تعترف ضمنيًا بمسؤوليتها عن "عملية البيجر": تحليل وتأثيرات


في تطور لافت، اعترفت إسرائيل لأول مرة ضمنيًا بمسؤوليتها عن "عملية البيجر"، التفجير الذي استهدف أجهزة الاتصال المستخدمة من قبل حزب الله في لبنان، وهو ما يعكس تحولًا في نهج السياسة الأمنية الإسرائيلية، وكذلك يشير إلى تصعيد في المواجهات المخابراتية بين تل أبيب وطهران وحلفائها في المنطقة. تلك الحادثة، التي وقعت في سبتمبر الماضي، خلفت وراءها 12 قتيلًا وآلاف الجرحى نتيجة انفجار أجهزة النداء الآلي (البيجر) وأجهزة الاتصال اللاسلكية الأخرى، ما زاد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة وأدى إلى مزيد من التوترات بين إسرائيل وحزب الله.


1. السياق العام للعملية

عملية "البيجر" ليست الأولى من نوعها في سلسلة العمليات التي تنفذها إسرائيل ضد أهداف تابعة لحزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، لكنها واحدة من أبرز العمليات التي لم تعلن تل أبيب عن مسؤوليتها عنها في البداية. إذ كانت تقارير سابقة قد تحدثت عن زرع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" مواد متفجرة في أجهزة البيجر، لكن تل أبيب تمسكت بسياسة النفي، وهو ما أعطى انطباعًا بأنها قد تكون وراء الهجوم ولكنها لا ترغب في الإعلان عن ذلك علنًا لأسباب استراتيجية.


الأجهزة التي تم تفجيرها كانت تستخدمها عناصر حزب الله في عملياتهم العسكرية والاستخباراتية، مما يسلط الضوء على أهمية هذه الأدوات في تنسيق الأنشطة العسكرية بين أفراد الحزب في لبنان. ولأن هذه الأجهزة تعتبر من العناصر الحيوية في تسليح الحزب وتنظيمه، فإن ضربها كان بمثابة ضربة قوية لهيكلية الاتصالات بين أفراد الحزب.


2. الاعتراف الضمني لنتنياهو

جاءت أولى الإشارات الرسمية التي تحمل اعترافًا ضمنيًا بمسؤولية إسرائيل عن العملية في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تحدث عن اعتراض بعض الأفراد في جهاز الأمن على العملية. وأشار نتنياهو إلى أنه كان هناك رفض داخلي لتلك العمليات، بما في ذلك تفجير أجهزة البيجر، فضلاً عن اقتراحات أخرى تتعلق بأعمال عسكرية مثل اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أو حتى اجتياح قطاع غزة. وقد فسر المراقبون هذا التصريح باعتباره إشارة إلى أن العملية كانت بالفعل جزءًا من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إضعاف قدرة حزب الله على التنسيق والتواصل.

ويبدو أن نتنياهو كان يشير إلى رفض بعض الشخصيات في الأجهزة الأمنية والسياسية لهذه العمليات بسبب تداعياتها المحتملة، مثل الردود العسكرية أو السياسية من قبل حزب الله أو إيران، أو حتى التأثيرات على العلاقات مع حلفاء إسرائيل، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. لكن رغم هذا الاعتراض، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية مضى قدما في تنفيذ مثل هذه العمليات، وهو ما يعكس سياسة تل أبيب المتشددة في مواجهة ما تعتبره تهديدات مباشرة لأمنها القومي.


إسرائيل تعترف ضمنيًا بمسؤوليتها عن "عملية البيجر": تحليل وتأثيرات



3. الآثار الأمنية والدبلوماسية للعملية

من الناحية الأمنية، يمثل تفجير أجهزة البيجر ضربة معنوية وميدانية لحزب الله. فمن المعروف أن حزب الله، الذي يصنف منظمة إرهابية من قبل العديد من الدول الغربية، يعتمد بشكل كبير على شبكاته الاتصالات الآمنة لتنسيق عملياته العسكرية في لبنان والمنطقة. وكان تفجير تلك الأجهزة بمثابة محاولة لزعزعة قدرته على تنفيذ العمليات بشكل منظم. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الهجوم يعكس استراتيجيتها في تحجيم قوة حزب الله قبل أن تصبح تهديدًا أكبر، لا سيما في ظل تزايد التحالفات العسكرية بين حزب الله وإيران في السنوات الأخيرة.

لكن من جانب آخر، فإن هذه العملية تزيد من تعقيد الحسابات الإسرائيلية على المستوى الدبلوماسي. إذ يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات مع لبنان، الذي يعتبر هذا الهجوم انتهاكًا للسيادة الوطنية اللبنانية، خاصة إذا تأكدت مسؤولية إسرائيل عنها. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي هذا التصعيد إلى تأجيج الوضع في المنطقة، مما يفتح المجال أمام ردود فعل عسكرية من حزب الله أو حتى تدخلات إيرانية، التي قد تُترجم في المستقبل إلى مواجهات واسعة النطاق.


4. تطور العلاقة بين إسرائيل وحزب الله

العملية تأتي في وقت حساس بالنسبة لعلاقة إسرائيل بحزب الله. فمنذ فترة طويلة، تتسم هذه العلاقة بالمواجهة المستمرة على مستوى الاستخبارات والعمليات العسكرية المحدودة عبر الحدود، ولكن لم يكن هناك تصعيد كبير قد يفضي إلى حرب شاملة بين الطرفين. رغم أن الحزب يملك قدرات عسكرية متقدمة ويشغل مناطق واسعة من الأراضي اللبنانية، إلا أن حسابات الطرفين تشير إلى أن الحرب الشاملة ليست في مصلحة أي منهما في الوقت الراهن.

لكن في الوقت نفسه، يظهر أن إسرائيل تسعى إلى منع حزب الله من الحصول على تقنيات متقدمة قد تمكنه من تهديد أمن إسرائيل بشكل مباشر، لا سيما من خلال تعاونه المتزايد مع إيران في مجال الأسلحة والصواريخ. لذلك، تظل العمليات الاستخباراتية جزءًا من استراتيجية إسرائيل الرامية إلى تقليص قدرة حزب الله على تهديد أمنها.


5. محاولات إسرائيلية لردع حزب الله

تصريحات نتنياهو الأخيرة تشير إلى أن إسرائيل قد تمضي في المزيد من العمليات الاستباقية ضد أهداف لحزب الله، حتى وإن كان هناك اعتراضات داخلية على مثل هذه الاستراتيجيات. ففي ظل انشغال العالم بمختلف الأزمات الدولية، بما في ذلك النزاع في غزة وتوترات أخرى في الشرق الأوسط، تحاول إسرائيل استغلال الفراغات الأمنية أو السياسية لتنفيذ هجماتها ضد أهداف تهدد أمنها.

تُظهر هذه العمليات أيضًا أن إسرائيل لم تتراجع عن سياساتها الأمنية الهجومية حتى في ظل الانتقادات الداخلية، وهو ما يعكس تصعيدًا في استخدام القوة في المجالات الاستخباراتية والعسكرية على حد سواء.


6. استشراف المستقبل: بين التوترات والحروب الخفية

إن الاعتراف الضمني عن مسؤولية إسرائيل عن عملية "البيجر" قد يكون بداية لمرحلة جديدة من الحروب الخفية في المنطقة. قد تصبح هذه العمليات أكثر تواترًا في المستقبل، حيث تسعى إسرائيل إلى تقليص القدرات العسكرية لحزب الله وغيره من الفصائل المعادية لها باستخدام التقنيات المتقدمة، مثل الهجمات السيبرانية والتفجيرات الموجهة. كما أن ذلك يعكس استمرار سياسة إسرائيل في مواجهة كل ما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي، وخاصة في سياق تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.

ورغم أن العملية قد تكون قد حققت أهدافًا محدودة على مستوى تعطيل قدرة حزب الله، إلا أن الردود المستقبلية قد تكون أكثر عنفًا، حيث يمكن أن يقوم الحزب بتكثيف هجماته على القوات الإسرائيلية أو تعزيز تحالفاته مع إيران في مجالات الصواريخ والمعدات العسكرية المتطورة.


الخاتمة

عملية "البيجر" تمثل منعطفًا مهمًا في استراتيجية إسرائيل تجاه حزب الله في لبنان، وتسلط الضوء على الأساليب التي تتبعها تل أبيب في التعامل مع التهديدات المحتملة. ورغم الاعتراف الضمني بمسؤولية إسرائيل عن العملية، فإن ذلك قد يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة ويؤدي إلى تصعيد أكبر بين إسرائيل وحزب الله.

Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)